تعلم فن الامتنان
يعبر الامتنان عن تقدير الشخص وشكره لما يملكه و ينعم به من خيرات في حياته، سواء كانت هذه الخيرات مادية أو غير مادية. يمكن للإنسان أن يكون ممتنًا لوجود المال، المنزل، الشعور بالرضا، وراحة البال، والأمان، الصحة، و يعبر عن الإمتنان عادة بقول "شكراً".
و الحقيقة أن الامتنان يتجاوز كونه مجرد لفظ كلمة "شكرا" التي نستعملها يوميًا، فهو يمثل شعورًا إيجابيًا عميقا يمتد أثره لفترة طويلة، ويؤثر على حياتنا. يساعدنا على تعزيز علاقاتنا بالله عز وجل، ويجعلنا نعطي قيمة للأشياء والأشخاص من حولنا.
من منظور علمي، يعد الامتنان عاطفة إيجابية تحمل فوائد صحية ملموسة. يمكن تعريفه على أنه تقدير عميق يولد مشاعر إيجابية تدوم لفترة ممتدة. وفقًا للدكتور روبرت إيمونز من جامعة كاليفورنيا، ينطوي الشعور بالامتنان على مرحلتين رئيسيتين: المرحلة الأولى هي الاعتراف بوجود خير في حياة الشخص، حيث يدرك الفرد أنه قد حصل على شيء جميل أو يبعث على السرور. في هذه المرحلة، يتم التأكيد على أن الحياة تحمل جوانب إيجابية وقيمة تجعلها تستحق العيش. المرحلة الثانية تتمثل في الاعتراف بأن بعض مصادر هذا الخير تأتي من خارج الذات، مما يعزز الوعي بالتفاعل الإيجابي مع العالم الخارجي.
من هنا فالامتنان ليس مجرد خُلق حميد، بل هو عادة صحية يمكن أن تعود على الجسم والعقل بالكثير من الفوائد. وفقاً لبعض الدراسات، ممارسة الامتنان لمدة ربع ساعة يومياً على مدى أسبوع، لمدة لا تقل عن 6 أسابيع، يمكن أن يعزز الصحة الجسدية والعقلية للإنسان. بمعنى آخر، إن تحويل الامتنان إلى عادة يومية يمكن أن يمنح الإنسان العديد من الفوائد الصحية، حتى لو كانت ممارسته لفترة قصيرة يومياً أو أسبوعياً. إليك أبرز هذه الفوائد:
1. تقليل الشعور بحالات الاكتئاب
أكدت بعض الدراسات أن هناك علاقة حتمية بين ممارسة الامتنان وانخفاض مستويات الاكتئاب. الأفراد الذين يمارسون الامتنان بشكل منتظم يشعرون برضا أكبر عن حياتهم، ويملكون علاقات اجتماعية أقوى، ويقدرون أنفسهم بشكل أفضل مقارنة بمن لا يمارسونه. وعلى العكس، الأشخاص المصابون بالاكتئاب قد يكونون أقل ممارسة للامتنان.
2. التخلص من شعور القلق
- القلق غالباً ما ينشأ من المخاوف و الوساويس والأفكار السلبية المتعلقة بالحياة الماضية أو المستقبلية. ممارسة الامتنان تساهم في تحويل التركيز إلى الحاضر والتخلص من الأفكار السلبية، مما يساعد في تخفيف القلق.
3. الحفاظ على صحة القلب
- يساهم الامتنان في تحسين صحة القلب. دراسات عديدة أظهرت تأثير الامتنان الإيجابي على العلامات الحيوية المرتبطة بخطر الإصابة بأمراض القلب، بما في ذلك خفض ضغط الدم الانبساطي وتنظيم عملية التنفس بما يتماشى مع نبضات القلب.
4. تخفيف التوتر
- يساعد الامتنان في تهدئة الجهاز العصبي وتقليل التوتر من خلال تنشيط الجهاز العصبي اللاودي، مما يساهم في خفض ضغط الدم وسرعة نبضات القلب، وتحسين التنفس.
5. تحسين النوم
يساهم الامتنان في تقليل العوامل السلبية التي تؤثر على النوم، مثل القلق والاكتئاب والتوتر، ويعزز التفكير الإيجابي الذي يساعد على النوم المريح.
الشعور بالامتنان يسهم أيضابشكل كبير في تعزيز ضبط النفس لدى الأفراد. هذا التحكم الذاتي يلعب دوراً حاسماً في مختلف جوانب الحياة، بدءاً من الالتزام بالمهام والمسؤوليات وتطوير المهارات وتحقيق التفوق، وصولاً إلى التغلب على العادات الصحية السلبية مثل التدخين المفرط والإفراط في تناول الطعام...
ولكن السؤال الذي يطرح نفسه هو: كيف يمكننا دمج الامتنان في حياتنا اليومية ليصبح جزءًا لا يتجزأ منها؟
إدخال الامتنان في حياتنا اليومية قد يكون تحديًا، خاصة عند مواجهة ظروف صعبة أو مشاعر سلبية. فيما يلي، سنتناول طرقًا متنوعة لدمج الامتنان في ممارساتنا اليومية.
كيف نمتن؟؟
1. تخصيص دفتر للامتنان
تعتبر كتابة ثلاثة أشياء يوميًا تشعر بالامتنان لها، من أكثر الطرق فعالية لتعزيز الامتنان. يمكن أن تكون هذه الأشياء بسيطة مثل استنشاق الهواء أو الاستمتاع لسرير دافئ في الشتاء. تساعد هذه العادة في التركيز على الجوانب الإيجابية في الحياة وتطوير نظرة أكثر تفاؤلًا.
2. ممارسة تأمل الامتنان
التأمل يعد وسيلة فعالة لتعزيز مشاعر الامتنان. اجلس لبضع دقائق يوميًا في صمت وركز على ما تشعر بالامتنان تجاهه. ابدأ بتركيز انتباهك على التنفس، ثم تحول إلى الأشياء التي تشعر بالامتنان لها. تساعد هذه الممارسة في تعزيز الشعور بالسلام الداخلي والامتنان.
3. التعبير عن الامتنان للآخرين
يعد شكر الآخرين على ما يفعلونه طريقة رائعة لدمج الامتنان في حياتك. خصص بضع دقائق يوميًا لتقديم الشكر لشخص ما، سواء كان ذلك عبر رسالة شكر بسيطة أو كلمة طيبة. تعزز هذه العادة العلاقات مع الآخرين وتعمق مشاعر الامتنان.
4. ممارسة اليقظة الذهنية
اليقظة الذهنية تعني الحضور الكامل في اللحظة ومراقبة الأفكار والمشاعر دون إصدار أحكام. من خلال ممارسة اليقظة الذهنية، نصبح أكثر وعيًا بالجوانب الإيجابية في حياتنا، مما يعزز الشعور بالامتنان.
5. عيش اللحظة الحالية:
التركيز على الحاضر يساعد في إدخال الامتنان في حياتنا اليومية بشكل فعال. بدلاً من القلق بشأن المستقبل أو التفكير في الماضي، حاول التركيز على الأشياء التي تشعر بالامتنان لها الآن. يساعد ذلك في تعزيز وعيك بالجوانب الإيجابية الحالية.
دمج الامتنان في الحياة اليومية يعزز الفرح والسعادة و الرضا. هناك العديد من الطرق لتحقيق ذلك، والأهم هو اختيار الأسلوب الذي يناسبك.
تعليقات
إرسال تعليق